08 11 2017

تشهد الفترة الحالية تخصيص الجهات الفاعلة الرئيسية في الاقتصاد الإسلامي العالمي حِصصًا أكبر من التمويلات الجديدة لمبادرات التخفيف من حدة تأثرات التغيرات المناخية، وذلك في الوقت الذي يتم فيه تطوير الأُطُر التنظيمية والسياسات ذات الصلة لمواكبة المتطلبات الناشئة عن قضية تغير المناخ.

وفي حديثه لبوابة «سلام» قال بليك جاود، الرئيس التنفيذي لمؤسسة «آر إف آي» المتخصصة في مجال الاستثمار والتمويل ومقرها المملكة المتحدة: "مع مرور الوقت أتوقع أن يشهد الدعم المُقدّم من التمويل الإسلامي للتحوّل إلى المشاريع الخضراء زيادة كبيرة، فضلاً عن قيام البنك الإسلامي للتنمية بدورٍ أكثر فاعلية في تمويل المشاريع التي تهدف إلى التخفيف من حدة تأثيرات تغير المناخ والتكيف معها.

ووفقًا للوثيقة الصادرة عن المعهد الإسلامي للبحوث والتدريب التابع للبنك الإسلامي للتنمية، فإن البنك الإسلامي للتنمية، وهو مؤسسة تابعة للدول الأعضاء بمنظمة التعاون الإسلامي، قام بتخصيص اعتمادات تمويلية بلغت قيمتها نحو 2.75 مليار دولار لتمويل مشروعات الطاقة المتجددة، في حين خصص البنك 6 بالمائة من عملياته للمشروعات التي تستهدف التخفيف من حدة تأثيرات تغير المناخ.

وفي عام 2016، وجّه البنك الإسلامي للتنمية نحو 16 بالمائة من التمويلات الجديدة للمشاريع التي تهدف إلى التخفيف من حدة أثر تغير المناخ والتكيف معه، مثل مشروعات إقامة محطات توليد الطاقة الكهرومائية والتحول الحضري بمشاركة القطاع الخاص، وقد شاركتْ المؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص في تمويل أكبر مشروع للطاقة الشمسية في أفريقيا والذي يتم إقامته في مصر حاليًا.

في الوقت نفسه، يجري حاليًا العمل على إنشاء البنية التحتية لهذا النوع من الاقتصاد وبناء القدرات اللازمة له. وفي سبيل ذلك، يقوم المعهد بإجراء أبحاث سيتم الاستفادة منها والاسترشاد بها في توجيه الجهود المستقبلية المبذولة لبناء القدرات، وذلك بالتعاون مع المؤسسات المالية الإسلامية والمنظمات الدولية. وعلى الصعيد العالمي، لا تزال الجهود مستمرة لتطوير الأُطُر التنظيمية والسياسات ذات الصلة لمواجهة الآثار المترتبة على تغير المناخ.

من جانبه قال جاود: "لقد شهدنا تقدمًا ملموسًا في ظل وجود مبادرات ناجحة؛ مثل فريق العمل المعني بالبيانات والمخصصات المالية المتعلقة بالمناخ". وأضاف أن بنك إنجلترا المركزي كان في الطليعة أيضًا في هذا المجال مع فريق العمل المعني بالبيانات والمخصصات المالية المتعلقة بالمناخ؛ حيث قام بتوسع نطاق العمل لمساعدة مؤسسات التمويل الإسلامي على العمل والقيام بدورها، وإزالة العوائق التي تواجهها.

ماليزيا

وفي ماليزيا، الدولة ذات الأغلبية المُسلمة، أصدر البنك  المركزي الماليزي في يوليو من هذا العام ورقة عمل عن "الوساطة المالية القائمة على القيم"، والتي أشاد بها جاود باعتبارها خطوة أخرى على طريق التحول إلى المشاريع الخضراء في الاقتصاد الإسلامي. وأضاف جاود: "إن الوساطة المالية القائمة على القيم ستعمل جزئيًا على تشجيع البنوك الإسلامية على أخذ العوامل البيئية والاجتماعية بعين الاعتبار عند تنفيذ مشاريعها". ورغم أنها تُعد خطوة إلى الأمام، فإن مبادرة الوساطة المالية القائمة على القيم تُعد من المبادرات التطوعية التي تسعى المؤسسات المالية لكي تكون جزءًا منها.

وفي أسواق رأس المال، تعمل هيئة الأوراق المالية بماليزيا حاليًا على وضع إطار العمل التنظيمي لصناديق الاستثمار المستدام المسئول، والتي تتوافق مع الشريعة الإسلامية، ومن المقرر أن تبدأ تعاملاتها في نهاية هذا العام، وذلك بعد أن قامت هيئة الأوراق المالية بإصدار الصكوك في عام 2014.

الإمارات العربية المتحدة

وفي الإمارات، حظيّت مشاريع الطاقة الشمسية باهتمام المؤسسات الإسلامية ودعمها، ووفقًا لوزارة التغير المناخي والبيئة، تُعد التكنولوجيا والتمويل والسياسة أهم ثلاثة عوامل يُمكن من خلالها تحقيق الاقتصاد الأخضر.

وفي كلمة ألقتها خلال سلسلة القيادة الخضراء التي تم تنظيمها في الثالث من أكتوبر الماضي في دبي، قالت المهندسة عائشة محمد عبد الله العبدولي، مدير إدارة التنمية الخضراء في وزارة التغير المناخي والبيئة: "إن جذب التمويل الذي يقدمه القطاع الخاص هو عامل أساسي لتوسيع نطاق الاستثمار الأخضر وجعله حقيقة ممكنة من أجل مستقبل الإمارات المستدام".

وأضافت: "من ثم، بدأتْ وزارتنا في عقد سلسلة من الفعاليات مع المؤسسات المالية الرائدة في البلاد، لنشر الوعي وتبادل المعرفة حول التمويل المستدام، وذلك بالتعاون مع المصرف المركزي، وكذلك الشركاء الدوليين؛ مثل مبادرة التمويل لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة.

تجدُر الإشارة إلى أنه تم إطلاق إعلان دبي بشأن التمويل المستدام خلال اجتماع المائدة المستديرة لمبادرة التمويل لبرنامج الأمم المتحدة للبيئة، والذي عُقد عام 2016، ووقعت عليه 32 دولة تعّهدوا بدعم تحول الإمارات إلى الاقتصاد الأخضر، وتعّهدت 11 مؤسسة مالية محلية بتقديم الدعم للمساعدة في تحقيق الاقتصاد الأخضر الشامل الذي يتسم بالقدرة على التكيف مع تغير المناخ، والتنمية المستدامة في الإمارات.

وفي يونيو من عام 2017، تم الإعلان عن قيام 7 مؤسسات بدعم المرحلة الثالثة من مجمع محمد بن راشد آل مكتوم للطاقة الشمسية في الإمارات، فضلاً عن حصولها على تمويل متوافق مع أحكام الشريعة الإسلامية؛ حيث يُشارك في المشروع بنك الاتحاد الوطني، والبنك الإسلامي للتنمية، والشركة العربية للاستثمارات البترولية (أبيكورب)؛ ومجموعة «ناتيكسيس المصرفية» من فرنسا، و«سيمنس» للخدمات المالية من ألمانيا، ومصرف التنمية الكوري، وهيئة تنمية الصادرات الكندية.

الشراكة والعمل يدًا بيد

من الأرجح أن يَغلُب طابع الشراكة إلى حد كبير على الأنشطة التي يجري القيام بها من أجل تحقيق الاقتصاد الأخضر، والذي يأتي كخطوة لاحقة بعد عقد المؤتمر الحادي والعشرين لأطراف اتفاقية الأمم المتحدة بشأن تغير المناخ (كوب 21)، والذي عُقد في باريس في ديسمبر 2015، وذلك في الوقت الذي برز فيه الدور الهام الذي يلعبه القطاع الخاص في هذا المجال.

يُذكر أن هذا المؤتمر جمع 196 دولة ليتعّهدوا بالعمل للحفاظ على مستويات الاحتباس الحراري العالمي أقل من 2 درجة مئوية، وهو الحد الذي حذّر معه العلماء من وصول الاحتباس الحراري إلى مستويات لا يمكن السيطرة عليها أو خفضها، بل وقد يؤدي إلى حدوث تغيرات كوكبية، وللمرة الأولى تم خلال المؤتمر تضمين الدور الفعال الذي يقوم به القطاع الخاص في هذا الصدد.

في السياق نفسه، تعهدتْ الدول الموقّعة بتقديم ما لا يقل عن 100 مليار دولار من التمويل سنويًا، اعتبارًا من عام 2020 فصاعدًا، كما تعّهدت المؤسسات المالية، بما في ذلك بنك كريدي أجريكول، وبنك بي إن بي باريبا، وبنك أوف أمريكا، وبنك إتش إس بي سي، بتوفير المليارات لتمويل استثمارات يتم استخدامها في تمويل المشاريع الخضراء، بهدف التصدي لتأثيرات تغير المناخ على مدار الـ 15 عامًا المقبلة.

وفي 20 أكتوبر 2017 أعلن البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية وشركاؤه، بما في ذلك المؤسسات المالية الإسلامية، عن تقديم حزمة تمويلية تصل قيمتها إلى نحو 335 مليون دولار لمشاريع شركة «سكاتيك سولار» الخاصة بإنشاء محطات طاقة شمسية في مصر بقدرة 300 ميجاوات.

تجدُر الإشارة إلى أن التمويل الذي يبلغ قيمته 235 مليون دولار والمُقدم من البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية في شكل قرض، يشمل مُساهمة مالية تبلغ قيمتها 48 مليون دولار من صندوق المناخ الأخضر، وهو صندوق عالمي يدعم جهود الدول النامية للتخفيف من حدة أثر تغير المناخ، بالإضافة إلى 72 مليون دولار مُقدمة من مصرف التنمية الهولندي (إف إم أو).

ومن المُقرر أن يُقدم البنك الإسلامي للتنمية والمؤسسة الإسلامية لتنمية القطاع الخاص مُخصصًا ماليًا على دفعتين قيمتهما (75 مليون دولار و25 مليون دولار) لدعم المطور النرويجي شركة «سكاتيك سولار» وشركائها في إنشاء 6 محافظ استثمارية لبناء وتشغيل محطات طاقة شمسية تبلغ قدرتها 50 ميجاوات في مجمع بنبان بصعيد مصر، ومن المُقرر الانتهاء منها في عام 2018، لتكون من أكبر منشآت الطاقة الشمسية التي يتم بناؤها في أفريقيا،وذلك بإجمالي طاقة إجمالية مستهدفة 1.8 جيجاوات، حسبما تداولته وسائل الإعلام المحلية.

ويُشكّل المشروع الذي سيُقام في مصر جزءًا من الاعتمادات المالية المخصّصة من قبل البنك الأوروبي لإعادة البناء والتنمية لمشاريع الطاقة المتجددة، والتي تبلغ قيمتها 500 مليون دولار، والتي من المُتوقع أن يتم تخصيصها لتمويل 16 مشروعًا تنتج 750 ميجاوات من الطاقة للدولة، وهو ما يُظهر مدى التقارب بين القطاعين الخاص والعام، إلى جانب تداخل أدوار المؤسسات المالية الإسلامية والتقليدية.

الفجوات والثغرات

رغم سلسلة النجاحات التي تم تحقيقها في هذا المجال، لا يزال هناك الكثير لفعله لضمان مساهمة المؤسسات المالية في التحول إلى الاقتصاد الأخضر.

ووفقًا لما ذكره جاود فإن "أحد أهم الاحتياجات التي قمنا بحصرها، هو الافتقار إلى الوعي بشأن التحول إلى الاقتصاد الأخضر، باعتباره خطوة تقدمية مفيدة، ليس فقط من ناحية القيم الأخلاقية للاقتصاد الإسلامي، بل ومن منظور المؤسسات المالية أيضًا".

وأضاف:"إن تبادل المعلومات حول كيفية الربط بين الجوانب الأخلاقية والمصالح المالية، فضلاً عن وضع إطار تنظيمي لتقديم الدعم في هذا الصدد، من شأنه المساعدة في انخراط الصناعة المالية الإسلامية على نحو كبير في هذا المجال، ويتعين على هذه المؤسسات الاستجابة إلى الضرورات الأخلاقية والبيئية والاقتصادية المتعلقة بالتمويل الأخضر".

ولا يزال هناك الكثير من المهام التي يتعين على المؤسسات المالية الإسلامية القيام بها من أجل مواكبة التطور السريع  التي تشهده حركة البنية التحتية المالية على الصعيد العالمي.

وحسبما ذكر جاود فإن "هناك الكثير من الأمور التي يتعين على المؤسسات المالية الإسلامية أخذها بعين الاعتبار والبدء في تطبيقها، بما في ذلك تطبيق قواعد "بازل 3"، والتغييرات التي تم إجراؤها على المعايير الدولية لإعداد التقارير المالية، والتي يُمكن أن تؤثر على أدائها المالي، فضلاً عن التحول إلى الاقتصاد الأخضر".

ونوّه إلى أنه "يجري حاليًا اتخاذ مجموعة من الإجراءات اللازمة في هذا الصدد، وقد نجحتْ بعض المؤسسات نجاحًا كبيرًا، وكان لها السبق في اقتحام مجال التمويل الأخضر، مقارنًة بغيرها من المؤسسات، والأمر يعتمد حقًا على كيفية موائمة القضايا المختلفة التي تتعامل معها".

وأضاف: "هناك عواقب سيكون على المؤسسات المالية الإسلامية أن تتحملها، نتيجة لعدم الإسراع بالدخول في مجال التمويل الأخضر، وتتمثل في تحقيق التوازن بين الأمور التنظيمية والمحاسبية، وتلك المتعلقة بالاقتصاد الكلي التي تواجهها في إطار عملها في هذا المضمار".

لمزيد من المعلومات والأخبار والرؤى حول الاقتصاد الإسلامي العالمي، يمكنكم زيارة الموقع الإلكتروني لـ بوابة "سلام".

© ZAWYA 2017