05 10 2015

محمود النوري نشر في : 05/10/2015 12:00 AM">يدور الحديث في الكويت في الآونة الاخيرة حول انخفاض اسعار البترول، والأثر المتوقع على ميزانية الدولة، وهل العجز حقيقي أو شكلي، هذا الحوار صحي ويعني اهتماما شعبيا في الشأن العام، وكان طرح الصحافة لتقرير بعثة صندوق النقد الدولي سبتمبر 2015 اثرا مهما في جعل النقاش أكثر واقعية ويهمني في هذا الصدد طرح بعض النقاط، وهي ما يلي:

1 - تقرير البنك الدولي ليس أول تقرير جاد يدق ناقوس خطر الاعتماد فقط على البترول كمورد رئيسي ووحيد لمالية الدولة، وليس أول تقرير ينتقد سياسة الاسراف في انفاق ايرادات الدولة على المصروفات الجارية، حيث تضاعفت ميزانية الدولة ثلاث مرات خلال عشر سنوات من 7 مليارات الى 22 مليار دينار.

2 - التقرير تقدم بتوصيات تتفق مع توصيات اللجان المحلية والبعثات الدولية، والتي لم يؤخذ بها، خاصة المتعلقة بالمصروفات الجارية، والتي تمثل %90 من مصروفات الميزانية وأهم بند فيها الرواتب الواردة في الباببن الأول والخامس للميزانية.

3 - المنصرف على السلع مثل الكهرباء والماء مكلف إلى درجة كبيرة، والانفاق عليه غير مبرر وهناك شبهات فساد، وكذلك الانفاق على التعليم حيث بلغ التعليم خلال عشر سنوات 12.3 مليار دينار وعلى خدمات الصحة 93 مليار دينار، ومخرجات هذين القطاعين دون الطموحات لا تبرر الانفاق الجاري عليها.

4 - توقعات اسعار البترول للسنوات المقبلة تتراوح في أفضل الأحوال بين 40 - 60 دولارا للبرميل، وهذا يعني عجزا حقيقيا للميزانية على الأقل للسنة المالية 2016/2015، انتاج الكويت 3 ملايين برميل يومياً، %10 يذهب للاستهلاك المحلي يعني يتم تسويق 2.7 مليون برميل، وإذا ما كان المتوسط السعري لبرميل النفط بحدود 47.5 دولارا سيعني ذلك عائداً سنوياً 46.8 مليار دولار أي ما يقارب 14.2 مليار دينار كويتي، والايرادات غير النفطية بحدود %8 من إجمالي ايرادات الدولة، ذلك يعني عجزا حقيقيا قبل احتساب المخصص للاجيال القادمة.

5 - إذا كانت المصروفات بحدود 20 مليار دولار، وهذا المقدر في ميزانية 2015/2014، وافترضنا أنه ذات المقدر للسنة المالية 2016/2015، ذلك يعني ضرورة تحقيق 67 دولارا كمتوسط لسعر برميل النفط، لتحقيق التعادل في الميزانية العامة للدولة بين الإيرادات والمصروفات، وهذا السعر خارج اطار توقعات الخبراء النفطيين، مما يعني ان تحقيق عجز حقيقي للميزانية، أمر وارد للسنوات المقبلة.

خلاصة النقاط من 1 - 5
6 - طوال السنوات العشر الماضية 2006/2005 لغاية 2015/2014 والسنة الأخيرة متوقعة، مثلت المصروفات 149 مليار دينار أي %65 من إجمالي الايرادات 227 مليار دينار، وتضاعفت الميزانية ثلاث مرات، والبند الرئيسي كان الرواتب وملحقاتها، لكن السنوات المقبلة ستكون صعبة نتيجة لتضخم عدد الكويتيين العاملين في الدولة حيث وصل الى 309 آلاف كويتي سنة 2013 وارتفاع بند النفقات الجارية.

المطلوب
7 - تعديل فكر القيادة السياسية من «تدليل المواطن» وبالتالي «إفساده» وتحويله من عبء على ميزانية الدولة إلى مواطن منتج له قيمة مضاعفة لاقتصاد الدولة، ومثال دولة النرويج ليس ببعيد عنا فهي دولة منتجة للنفط ولديها احتياطيات كبيرة وجهازها الوظيفي متوازن، ومواطنوها منتجون ولهم قيمة مضافة ولا يمثلون عبئا على الدولة.

الحلول المقترحة
8 - ليست هناك حلول سحرية، لكن المهم ان تلتزم القيادة السياسية «إدارة وحكومة ومجلس أمة وناخبون» بالانعتاق من فكرة «العلاقة الاحادية» بين المواطن والدولة، أي ان الدولة تقدم كل شيء والمواطن يستهلك من دون مقابل، كان ذلك ممكناً عندما كان الكويتيون 150 ــــ 200 ــــ 300 ألف نسمة أو عندما كان سعر برميل النفط 100 ــــ 140 دولاراً للبرميل، أما الآن فلا بد من تغير المعادلة لتكون أكثر واقعية، وهذا يعني:

- توعية المواطن بالمخاطر المقبلة، بأنه إذا استمر ذات النهج في الصرف وتعيين الداخلين لسوق العمل في الجهاز الحكومي، فان ذلك سيعني تحقيق عجوزات كبيرة في ميزانية الدولة، وان يكون ذلك خطاب كل الجهات المسؤولة خاصة الخطاب السياسي للحكومة والسادة أعضاء مجلس الأمة وجماعات الضغط وهيئات النفع العام والمدارس وان يكون الخطاب واقعيا وملتزما بضرورة اصلاح النظام الاقتصادي.

- تخفيض الدعم على الوقود وتطبيق المسطرة المعتمدة في دول مجلس التعاون بشأن شرائح استهلاك الماء والكهرباء.

- ان تكون كوادر الداخلين الى سوق العمل في القطاع العام أكثر واقعية سواء كانت الرواتب الشهرية أو التقاعدية.

- وضع برنامج توعية يهدف الى توجيه الداخلين الى سوق العمل، للعمل في المشروعات الصغيرة، وان يكون ذلك ضمن المناهج الدراسية في المرحلة المتوسطة والثانوية.

- أصعب حلقة هي تخصيص خدمات الدولة لأن «التجمع غير المعلن» للمواطنين الكويتيين سيحارب أي توجه للخصخصة ولديهم قوة ضغط هائلة على أعضاء مجلس الأمة وسيحبطون أي محاولة وما الخطوط الجوية الكويتية عنا ببعيد، لكن لا بد من اصلاح وخصخصة خدمات الدولة بعد التوعية بالمخاطر إذا لم يتم ذلك.

خلاصة الرأي
9 - اصلاح الفكر السياسي/الاقتصادي، والاقتناع بخطورة التحدي على الأجيال المقبلة، واعادة تأهيل المواطن الكويتي ليكون منتجاً، وتطبيق اجراءات تدريجية ومستدامة بشأن اصلاح وتوازن ميزانية الدولة، كل ذلك تحد يجب القيام به لاصلاح المجتمع وواجب مستحق على المسؤولين في الدولة.

 التخصيص وتحويل الكويتيين الى العمل في المشروعات الصغيرة واصلاح الدعم للوقود والماء والكهرباء، ووضع برامج تعليمية للطلبة وتوعية المواطنين مسؤولية مستحقة في المرحلة القادمة.
وإذا كانت هناك من كلمة شكر فهي لسعر برميل النفط، فالحمد لله انه نزل لدون الأربعين دولارا واستقر حول ذلك السعر لكي تناقش بشكل جاد استراتيجيات المستقبل.


محمود النوري
وزير المالية الأسبق

© Al Qabas 2015