08 July 2015
ملاحظات الجمعية الاقتصادية على الميزانية العامة

رأت الجمعية الاقتصادية أن موازنة السنة المالية (2015/‏‏‏ 2016) بحاجة إلى منهجية ذكية لخفض الإنفاق، بحيث يمكن تحقيق هدف الاستدامة على المدى البعيد، مؤكدة أهمية توجيه الإنفاق بطريقة ذكية ومدروسة تحد من الهدر ولا تمس القطاعات المنتجة والبنية التحتية والقطاعات المعرفية.تمويل العجزواعتبرت الجميعة في ملاحظاتها على الموزانة العامة، أن سوق الدين في الكويت لا يزال أصغر حجماً وأقل تطوراً قياساً بغيره من الأسواق.وبناءً على بيانات صادرة عن صندوق النقد الدولي، يساوي سوق الدين إلى الناتج المحلي الإجمالي 3.3 في المئة فقط بحسب تقديرات 2014، وهي نسبة أقل مما هو مسجل في آسيا (44.5 في المئة)، والاتحاد الأوروبي (192 في المئة)، وأميركا الشمالية (213 في المئة).

وقد يتطلب الانخفاض الحاد الذي شهدته أسعار النفط في نهاية 2014 وتيرة أسرع في عمليات الاندماج المالي في الكويت، لاسيما وأن صادرات الهيدركربونات تشكل 81 في المئة من إيرادات الدولة.وعلى الرغم من أن وضعها أفضل من معظم المصدّرين الآخرين في التكيف مع طول أمد انخفاض أسعار النفط، بفضل احتياطياتها الضخمة ونقطة التعادل المالية المتدنية لأسعار النفط، ينبغي أن تنظر الكويت إلى هذا الأمر بمثابة جرس إنذار لتوسيع نطاق أدوات التمويل وفرص توليد الإيرادات عبر فرض الضرائب، وتقليص الدعم غير الفعال، ومواءمة سياساتها في سبيل الانضباط المالي.

ونظراً إلى وضعها الائتماني الأقوى مقارنة بغيرها، ينبغي أن تستغل الكويت هذه الفرصة في تطوير سوق الدين لديها، والذي من المتوقع جداً أن يدر فوائد هائلة بتوفيره بدائل للتمويل بالنسبة لمشروعات البنية التحتية الكبيرة المرصودة في خطة التنمية 2015-2020.وضع الميزانيةأشارت الجمعية الاقتصادية إلى أن التخفيض الذكي لمصروفات الميزانية سيمكن البلاد من الاستغناء عن الأحكام المعممة التي لا تأخذ بعين الاعتبار أي احتياجات متخصصة. وقد تقلص استراتيجية تخفيض الميزانية المبسطة من بنود معينة مثل الاستثمار في البحوث والتطوير، التي لا يمكن التنبؤ بمردودها في نهاية العملية بسبب طبيعتها.

ومع ذلك، يقوم الابتكار على التطوير والأبحاث، والاستثمار في التعليم والبنية التحتية للتكنولوجيا والعلوم، وتشجيع الاستثمارات الأجنبية. وبالتالي، رغم بعض الخيارات التي يمكن تخفيضها في الميزانية، إلا أن نواح أخرى قد تستلزم مزيدا من النفقات من أجل تعزيز نظام التنويع الاقتصادي.وبناءً عليه يجب أن تصنف الميزانية الذكية أو المدروسة كمخرج استراتيجي رئيسي للحكومة، بحيث يمكنها الموازنة بفعالية بين الأبعاد المزدوجة للحاجة إلى التوفير وبين الحاجة إلى إنفاق المزيد للحصول على نتائج فعالة مستقبلاً.

وخلصت الجمعية إلى أن عملية إعداد الميزانية الذكية تستدعي من صناع السياسة ربط أداء الجهات الحكومية مع اعتمادات الميزانية المطلوبة. وستزيد عملية إعداد الميزانية القائمة على الأداء من المحاسبة، وتجعل قرارات التمويل أكثر موضوعية.وبحسب منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) فإن تخفيض الميزانية المدروس سيغرس الثقة في القطاع الخاص وشريحة الجمهور الأشمل، من أن صانعي السياسة المسؤولين عن إعداد الميزانية لديهم استراتيجية تنم عن وعي وتهدف إلى تفعيل الإمكانات الاقتصادية للبلاد.

هذا الشعور بالثقة يمكن تعزيزه أيضاً عبر تصنيف المصروفات وفق الوحدات الإدارية (مثال الوزارات، الهيئات، وغيرها)، وتوفير مزيد من المعلومات الأساسية المكملة عن طريقة تقسيم المصروفات من خلال الشرائح الاقتصادية أو الوظيفية. وقد يكون خفض النفقات التقديري أكثر فائدة في جميع نواحي التخفيضات.الخطواتيتعين على الكويت الاستفادة من الممارسات الدولية المتعلقة بتخفيض التكلفة المدروس. ومن بين تلك الخطوات:

1 - تأسيس خطوات لدمج ميزانية قائمة على الأداء وأخرى مستندة إلى قاعدة الصفر، في حال لم يتم ذلك بالفعل.

2 - تطوير وحدة أبحاث وتحليل مهمتها دراسة المصروفات والنفقات بتفصيل دقيق، تكون قادرة على رصد الفرص التي قد تستدعي وجود إجراءات مدروسة غير قائمة على التخمين.

3 - تطوير مجموعة من المعايير أو مؤشرات الأداء الرئيسية لاختبار إذا كانت الميزانية تحقق أهدافها المرجوة.

4 - الكويت بحاجة لاستثمارات في مجال الموانئ، ومراكز الطيران كي تعزز رؤيتها بأن تصبح مركزا ماليا وتجارياً في المنطقة. فإذا كان هناك بالفعل شرط للاختيار بين المشاريع بهدف مواجهة انخفاض أسعار النفط، فيمكن إيقاف المشاريع الأقل أهمية موقتا ريثما يتم تسريع العملية وتوفير التمويل لمشاريع البنية التحتية الحاسمة مثل تطوير الموانئ.

5 - بعض المدن الخليجية مثل أبوظبي لا تستثمر بقوة في الخارج، بل تركز مواردها نحو مشاريع التنمية المحلية. الكويت أيضا بإمكانها تبني برنامج لمراجعة استثماراتها الدولية بحيث تتحقق من إمكانية إعادة توجيه بعضها نحو الاقتصاد المحلي.

6 - الهدف هو تعزيز تمويل المشاريع الاستراتيجية المتصلة بالاقتصاد غير النفطي. لذا، فإن بنود الإنفاق غير الضرورية مثل المنح والمساعدات للدول الأجنبية يجب أن تخضع لمزيد من المراجعة والتمحيص.الخفض الذكي للتكاليفأشارت الجمعية الاقتصادية إلى أنه وفقاً للمتخصص بالشؤون الاستراتيجية البروفيسور مايكل بورتر، فإن كل شيء تقريباً يتعلق بالتنافسية. ويشير بورتر إلى أن خفض التكلفة الذكي يساعد في حالة الإصلاحات الهيكلية الفعالة والدائمة.

من جهته، يعتبر الباحث لورينس بوسيدي أنه يجب أن ينصبّ الاهتمام على تنفيذ الاستراتيجيات عوضاً عن ترسيخ الاستراتيجية ذاتها. ويجب أن تتعلق استراتيجيات خفض التكاليف بالمراجعة المفصلة والتطبيق المنهجي.بدوره، يحذّر الخبير الاستراتيجي روجير إل مارتن من خلط مفهومي التخطيط والاستراتيجية، معتبراً أن تشجيع الخيار الاستراتيجي أهم بكثير من مجرد التخطيط والمراقبة. أما الجهود الضمنية لتخفيض التكلفة الذكي فيجب أن تتمثل بالقدرة على تحديد أهداف الوظائف الحكومية بوضوح، وجعل تكلفة وجودة الخدمات شفافتين.

صندوق النقدفي يونيو 2015، تحدثت بعض التقارير عن الدراسة المشتركة التي أجرتها وزارة المالية بالتعاون مع صندوق النقد الدولي.وفي نهج مبتكر، سلطت الدراسة الضوء على مفهوم «فجوة الناتج» من حيث استجابات السياسات للدورات الاقتصادية.وتكون «فجوة الناتج إيجابية» عندما يزيد الناتج المحلي الإجمالي الفعلي عن الناتج المحتمل، وهو الناتج ذو أعلى مستوى من الإنتاج والذي لا يمكن الحفاظ عليه بشكل مستدام على المدى الطويل.

أما «فجوة الناتج السلبية»، فتحدث عندما يكون العكس هو الصحيح.وتوصي نظرية «فجوة الناتج» أنه خلال فترة فجوة الناتج السلبية، فإنه يجب على واضعي السياسات اتباع سياسة مالية توسعية من أجل تحفيز الطلب الكلي. أما خلال فترة «فجوة الناتج الإيجابية»، فإن اتباع سياسة مالية انكماشية أمر ضروري من أجل تجنب خطر التضخم.وفي دراسة وزارة المالية وصندوق النقد الدولي، تمت دراسة البيانات الاقتصادية عن الفترة من عام 2001-2013. وقد تبين أنه خلال الفترة بين عامي 2009 حتى 2013، عندما كان يتسم الاقتصاد بفجوة ناتج سلبية، تم اتباع سياسة الإنفاق المالي المتأني، ولاسيما من حيث الإنفاق على المشاريع الرأسمالية.

وتبين أن نسبة الإنفاق الرأسمالي في العام 2013 قد بلغت 3.2 في المئة تقريبا، في حين يبلغ المتوسط في باقي دول مجلس التعاون الخليجي 11 في المئة. وبالتالي، فإنه يمكن من الدراسة استنتاج أن خفض التكاليف ليس من الضروري أن يشمل خفض الإنفاق في جميع المجالات. ولكن يجب تحديد المجالات ذات الصلة لمعرفة ما إذا كان يجب تطبيق سياسة زيادة الإنفاق أو العكس.ولوضع الميزانية بشكل فعال، فإنه تجب مراعاة وضع الأرقام بموضوعية وبصورة متوازنة، مع الأخذ بعين الاعتبار الفروق الدقيقة.

الإماراتفي عام 2012، طرحت وزارة المالية الإماراتية نظام الموازنة المبنية على قاعدة الصفر التي قد تتطلب من الوزراء تقديم ميزانية مفصلة تضم جميع التفاصيل الصغيرة عن مصروفاتهم. ويمنح هذا النظام الوزارات مرونة أكبر عند الإنفاق، لكنه يلزمها في الوقت ذاته بتقديم إطار زمني يتعلق بتحقيق الأهداف المرصودة في الميزانيات. أيضاً، سيتم تقييد ميل السلطات القادمة للإنفاق قبل تطبيق الهيكليات والأنظمة.قطرفي 2011، غيرت قطر عملية إعداد الميزانية لتقوم على الأداء.

وتعتبر هذه الميزانية نظاما يلغي بالأساس التركيز على المدخلات المطلوبة للوزارات والهيئات الحكومية، وعوضاً عن ذلك، يطرح تساؤلاً عن الموارد المطلوبة لتحقيق النتائج المرغوبة، بالتالي تتركز هذه الميزانية على المخرجات أو النتائج بدلاً من المدخلات.أميركامنذ 1993، جربت الولايات المتحدة تطبيق الميزانية المستندة إلى الأداء. وبناء عليه، برعت الهيئات الحكومية الأميركية في صياغة خطط استراتيجية ومعايير وأداء تقارير، عبر التشاور مع أصحاب المساهمين.

© Al- Rai 2015