05 July 2015
أسوأ تداولات منذ 14 عاماً

سجلت مستويات السيولة في سوق الكويت للأوراق المالية خلال انصف الأول من العام الحالي أسوأ مستوياتها منذ 14 عاماً، مع انخفاض المُعدل اليومي لقيمة التداولات إلى أدنى مستوى منذ العام 2001.وبلغ معدل قيمة التعاملات اليومية خلال النصف الأول من العام الحالي 19.1 مليون دينار بانخفاض يصل إلى 30 في المئة عن الأشهر الستة الأولى من العام الماضي 2014، وبتراجع يقارب 90 في المئة عن مستويات الذروة المسجلة في النصف الأول من 2008.

وانعكس حال سوق الاوراق المالية خلال الأشهر الستة الأولى من العام الحالي على نتائج أعمال الشركات المُدرجة (الربع الاول) مقارنة بالفترة نفسها من العام 2014.ويرى مديرو الاستثمار في مؤسسات مالية أن هناك حزمة من الأسباب أدت الى هبوط مستويات السيولة المتداولة بهذا الشكل، منها:1 تراجع أسعار النفطيقول مديرو الاستثمار إن تراجع النفط إلى أدنى مستوياته منذ خمس سنوات كان له أثره النفسي على وتيرة التداول وتدفق السيولة نحو الأسهم المُدرجة، إلا ان هناك مُبالغة واضحة في مدى تأثير هذا القطاع على البورصة بإعتبار أن القيمة السوقية للشركات المُدرجة في قطاع النفط والغار لا تتجاوز 5 في المئة من حجم السوق.

وثمة هناك اختلاف شاسع ما بين حجم شركات النفط والبتروكيماويات في الكويت وقطاع البتروكيماويات في السوق السعودي مثلاً، والذي يمثل جانباً رئيسياً من حجم السوق هناك.وعلى الرغم من الارتباط الطويل الأجل مثبت بين أداء السوق وأسعار النفط، إلا أن تأثر السوق به كان نفسياً بالدرجة الأولى.2 عزوف كبار المتداولينظل كبار اللاعبين من المتداولين بعيدين تماماً عن التعاملات، باستثناء قلّة منهم، إلا أن أصحاب المحافظ سحبوا أموالهم بعد ان تزايدت مخاطر الاستثمار في السوق وسط ضبابية الرؤية وغياب المحفزات التي تدعو الى ضخ المزيد من السيولة.

وقال مدير محافظ عائلية لـ «الراي»: «لا يوجد ما يشجع مالكي المحافظ في ظل ما تعانيه مؤشرات البورصة من تذبذب واستمرار في مسلسل الخسائر المستمر» !3 الهروب الى أسواق الخليجاستطاعات أسواق الخليج وفي مقدمها السوق السعودي ان يجتذب الاموال الكويتية التي خرجت من البورصة جراء تردي الوضع العام فيها، إذ استحوذت الاسهم السعودية على نسب تتراوح بين 30 و40 في المئة من محافظ الشركات والافراد ايضاً.4 نهاية التلاعباتكان جزءاً كبيراُ من تداولات السنوات الماضي قائماً على تحركات المحافظ المضاربية التي تعتمد على التدوير ووضع اوامر البيع والشراء وإلغائها والتصريف المفاجئ وغيرها من الممارسات التي يجرمها القانون وتحديداً المادة 122 التي خضعت لتعديل يراه كثيرون بانه غير مؤثر!

وفي ظل حرص الجهات الرقابية على تطبيق القانون على الصغير والكبير لم يجد المضاربون مفراً من الخروج من السوق تحسباً للوقوع في أخطاء تكون نتيجتها التعرض لغرامات وربما السجن.5 الاستثمار المؤسسيلا يخفى ان معدل حضور السيولة المؤسساتية بات أقل بمراحل عن الفترات السابقة، إذ اقتصر الامر حالياً على المراكز القديمة فقط التي تمثل ملكيات استراتيجية للمحافظ المُدارة من قبل كيانات قيادية بما في ذلك الملكيات الحكومية في بنوك وشركات خدمية وغيرها.

وانعكس غياب الاستثمار المؤسسي على مُعدل الاموال المتداولة يومياً في البورصة، فيما كان غياب نماذج الاستثمار «المُحترمة» سبباً رئيساً لتقليص اهتمام المؤسسات وشركات الاستثمار الكُبرى بالاسهم المدرجة في سوق الاوراق المالية خصوصاً بعد أن انكشف غالبيتها في ظل تداعيات الازمة المالية.6 أوعية استثمارية أخرىرأي كثيرون أن هناك اوعية استثمارية أخرى بخلاف البورصة قد تتناسب مع أهدافها، إذ كان السوق العقاري إحدى هذه الأوعية ما ترتب عليه سحب سيولة كبيرة من سوق الاسهم، ومن ثم توجيهها الى صفقات عقارية مختلفة.ويلاحظ ان هناك علاقة عكسية في مسار السيولة بين الاسهم والعقار حيث يسيطر الهدوء على تعاملات العقار لدى رواج الاسهم المدرجةفي سوق المال والعكس صحيح.

ولم يكن الامر مقتصراً على الأفراد وكبار المتداولين، بل امتد الى الشركات التي قدم بعضها إفصاحات الى البورصة، منها استثمارية كُبرى حرصت على شراء عقارات مُدرة تمنحها عوائد تبدأ من 7 في المئة، وتُجدر الاشرة الى ان الاسهم العقارية المدرجة تعاني كثيراً لدرجة ان غالبيتها تتداول بأقل من قيمتها الدفترية.7 غياب الادوات الاستثماريةلم يعد السوق جاذباً لطرح ادوات استثمارية جديدة، فيلاحظ ان وتيرة اطلاق الصناديق وانظمة الاستثمار الجماعي كافية، وبالبحث يتضح ان الصناديق على سبيل المثال تُفضل اليوم الاحتفاظ بأموالها أو توجيهها نحو فرص مجدية ولو خارج الكويت عن الدخول على أسهم قد تزيد من خسائرة، فهناك العديد منها لا زال يٌعاني الخسائر المتراكمة وتداعيات تراجع موجوداتها.

وفي السابق كان للصناديق الاستثمارية مثلاً حصة رئيسية من تعاملات السوق، على عكس ما يحدث اليوم من صعوبة الاستجابة لطلبات استرداد المساهمين أحياناً لدى بعض الصناديق.8 التطورات الاقليميةتسببت تطورات الساحة السياسية الاقليمية في زعزعة الثقة لدى مديري المحافظ والصناديق، ما ادى الى التخفيف من المركز المالية المكونة منذ فترة عبر تصريف جانب منها والاحتفاظ بالقليل القليل، تحسباً من سوء الامر.

فيما كان لما أصاب الكويت اخيراً (تفجير مسجد الصادق) أدى الى إعادة نظر الكثيرين في حجم محافظهم المالية المتداولة محلياً.9 قلة الفرص والعائد السريعيرى محلل مالي ان الفرص الحقيقة لم تعد متوافرة في البورصة إلا في نطاق ضيق، لافتاً الى أن ما أظهرته نتائج الشركات القيادية ومنها التي تمثل مكونات مؤشر«كويت 15»أو غيرها من القطاعات يؤكد انها الملاذ الآمن للسيولة المتداولة، إلا أنها تمثل جزءاً بسيطاً من الشركات، ما يشير الى محدودية الفرص وعدم تلبيتها رغبة السيولة الساخنة وهي الغالبة في السوق الكويتي.

فهناك شركات أخرى يصل عددها الى نحو 185 شركة في قطاعات السوق لم تعُد تعطي العائد المطلوب.10 الأسهم السائلة والتسوياتهناك أسهم تشغيلية جيدة في سوق الاوراق المالية لكنها غير «سائلة» ما يجعلها بعيدة المنال، حيث يُلاحظ أنها الاكثر عائداً من حيث التوزيعات النقدية، واحياناً من حيث العائد على الاسهم ايضاً، لكنها الاقل تداولاً من حيث الكميات، ما يجعل فرصة تكوين مراكز فيها مستحيلة او بعيدة المنال.واصبحت الأسهم الصغيرة فقط بعضها «ورقي» مرتعا للمضاربة، إلا ان الباحث عن عائد بلا مخاطر دائماً ما يختار أسهم البنوك والشركات الخدمية والعقارية التشغيلية، وذلك لكونها تعتمد على تدفقات نقدية منتظمة ومعدلات نمو جيدة مقارنة بالوضع العام للسوق، لكنها تظل محدودة.

ومن ناحية اخرى، استطاعت شريحة ليست بقليلة من الشركات ان تتجاوز تداعيات الازمة في ظل خلاصها من ديون كانت تؤرقها، إذ ابرمت الكثير من شركات السوق تسويات لمديونياتها مقابل التنازل عن أصول ممتازة مُدرجة او عقارات وغيرها، حيث كان لذلك آثار مختلفة يراه المراقبون بانها أفقدت الشركات الام متانتها (في ظل تسليم الاصول التشغيلية التي تملكها لتغطية الديون)، ما قلل من وتيرة تدفق السيولة على أسهمها.

هل من فرص ؟تشير مُعدلات الـ P/E المتداولة في سوق الاوراق المالية الى أن هناك فرصاً مغرية، لكن غياب النماذج الاستثمارية جعل مديري الاستثمار يعيدون التفكير، فهناك معايير ومعطايت كفيلة بجذب المشتري، وجميعها قد تكون غائبة، أهمها وجود تدفقات نقدية منتظمة تضمن استمرار الكيان وعدم تعرضه لمخاطر الافلاس والخروج من السوق كما حدث مع عشرات الشركات المدرجة منذ الازمة المالية.وتوضح الارقام ان مُعدلات مضاعف السعر الى ربحية السهم في القطاعات التالي: ( البنوك 17.3 مرة، المواد الاساسية 9.5 مرة، والصناعة 15.1 مرة، والسلع الاستهلاكية 21.9 مرة، والعقار 14 مرة، والاستثمار 19.4 مرة)، فيما سجل السوق عامة معدل يصل الى 16.6 ضعف.

وقلما كان عملاء شركات الاستثمار (في السابق) يشاركون في وضع استراتيجية إدارة المحافظ المملوكة لهم لدى شركات إدارة الاصول، إلا أن التخوف من تكبد المزيد من الخسائر بعد درس الأزمة المالية دفع الشركات الى تقديم خيارات مختلفة للعملاء، منها إدارة المحفظة مباشرة عبر السوق على ان تظل مودعة تحت مظلة الشركة، أو ترك المجال للشركة لتقوم بالمهمة في ظل سياسة قد تضمن عوائد سنوية مجزية في السوق المحلي، او الخروج بها نحو أسواق أخرى، وكان لتلك الخيارات أثر كبير في تجميد السيولة او سحبها من شركات الاستثمار في ظل القلق من وضع السوق. وتراجعت شهية عملاء شركات الاستثمار واهتمامهم بالبورصة ما ترتب عليه هبوط واضح في معدل الاموال المتداولة بهذا الشكل.

© Al- Rai 2015