25 11 2015

ربما تكون السعودية قد أعلنتْ الحرب على النفط الصخري الأمريكي، بيد أن المملكة تواجه تحديات أكبر بكثير من منافسيها، وتحديدًا روسيا وإيران والعراق للاستحواذ على حصص سوقية لإنتاجها النفطي في القارتين آسيا وأوروبا.

شهدتْ أسعار النفط انخفاضًا ملحوظًا بنسبة 50 بالمائة العام الماضي إثر قرار منظمة الدول المُصدِّرة للبترول (أوبك)، بقيادة السعودية باعتبارها أكبر الدول المُصدِّرة، بعدم خفض إنتاجها النفطي لرفع الأسعار، بل للتركيز بدلاً من ذلك على استبقاء حصتها السوقية.

وبحسب وصف جيم كرين، مُحلل لدى مؤسسة والاس ويلسون لدراسات الطاقة "فقد جلبتْ أسعار النفط والتي وصلت إلى 100 دولار للبرميل الكثير من المستجدات على الساحة، حتى أصبح خفض الإنتاج النفطي السعودي أشبه بعملية انتحار".

وفي تعليقه على معدلات الإنتاج السعودي، أشار إلى أن "ذلك قد ينتهي إلى رفع الأسعار نظرًا للمنافسة الأعلى تكلفةً، وهو أمر غير معقول. فمن خلال الحفاظ على معدلاتها الإنتاجية، ثمة فرصة أمام المملكة في الحفاظ على حصتها السوقية، إلى جانب تشجيع الاستثمار في إمداداتها النفطية التنافسية."

فقد أضحتْ المعركة لاستئثار الحصة السوقية أكثر احتدامًا بعد الانتعاشة التي شهدها النفط الصخري بالولايات المتحدة ما جعلها تُقلِّل من اعتمادها على وارداتها من النفط. وقد لاحظتْ المملكة انخفاض صادراتها إلى الولايات المتحدة، الأكثر استهلاكًا للنفط عالميًا، إلى نحو 1 مليون برميل يوميًا في أغسطس 2015 بعد أن سجَّلت المعدلات الإنتاجية 1.5 مليون برميل يوميًا عام 2008. وعلى نحوٍ عام، فقد انخفضتْ صادرات مجموعة الدول المُصدِّرة للنفط (أوبك) إلى السوق الأمريكي من 5.4 مليون برميل يوميًا عام 2008 لتهبط إلى 3 مليون برميل يوميًا فقط في أغسطس من العالم الحالي.

عرقلة في أسواق النفط السعودية

ففي كلٍ من الصين وكوريا الجنوبية واليابان وتايوان، فقدتْ المملكة حصتها السوقية لصالح روسيا والعراق، بحسب تقرير حديث صادر عن سيتي بنك. ففي عام 2011، كان نصيب كل من روسيا والعراق نسبة 5 بالمائة فقط من قيمة واردات النفط الآسيوية، في حين كانت اليد الُعليا للسعودية إذ هيمنت المملكة على نسبة 27 بالمائة من الواردات النفطية، بيد أن الحصة السوقية للمملكة انخفضت لتهبط إلى 23 بالمائة، في حين ارتفع نصيب كل من روسيا والعراق من الحصة السوقية لنسبة 9 بالمائة لكلٍ منهما.

وكتب سيث إم كلاينمان، مُحلل لدى سيتي بنك، "شهدتْ المملكة كذلك بعض العراقيل في عمليات تسويق إنتاجها النفي. ففي الصين، إضافة إلى عامل المنافسة التجارية الشرسة، تظهر ميزة جديدة أمام الدب الروسي بفضل الحجم الهائل لوفرة تمويلات ما قبل التصدير من محافظة تشيبا والمبادلة ثلاثية المحاور والتي تشمل كل من روسيا وكازاخستان والصين، بما يُضيق حلبة التنافس والمساهمة في صعود روسيا لتكون هي المُورِّد الأول."

وتتمثل الصعوبات في بيع حصة سوقية إلى السوق الهندي، حيث يسود الاعتماد على شراء الحصص السوقية، ما دفع السعودية لفقد مرتبتها كأكبر مورِّد للنفط إلى الهند، وحتى جهود بيع عقود النفط على أساس التسليم لم تُسهِم في تذييل عقبة الحصص السوقية التي تعترض المملكة.

ونظرًا لكونها السوق الإقليمي الأكبر، فقد انخفض السعر الرسمي لبيع النفط السعودي بسبب عملائها، ما دفع منافسيها لخفض أسعار النفط. ويرى «سيتي بنك» أن موردي الشرق الأوسط يقدمون خصومات تصل إلى 50 سنتًا أمريكيًا للبرميل مقارنةً بالأسعار السعودية.

إضافةً لذلك، فإن الشروط الائتمانية القياسية التي تطبقها السعودية والتي تصل لمنح العملاء 30 يومًا كمهلة ائتمانية لا تقارن بتلك الفترة التي تمنحها غيرها من الدول المنافسة، بل وحتى حلفائها من دول التعاون الخليجي والتي تصل من 60 إلى 90 يوم.

أوروبا تدخل حلبة المنافسة

ظهرت المنافسة الشديدة على الحصة السوقية من النفط في أوروبا كذلك؛ فمع تعدي روسيا على الأسواق التقليدية للسعودية، ما دفع الأخيرة وغيرها من الدول الأعضاء في منظمة أوبك إلى اقتحام السوق الأوروبي حيث تسود الهيمنة الروسية على إمدادات النفط في أوروبا.

وقد أوضحتْ البيانات الصادرة عن الوكالة الدولية للطاقة أن الواردات النفطية لدول منظمة أوبك في منظمة التعاون الاقتصادي والتنمية (OECD) قد ارتفعتْ بمقدار مليون برميل يوميًا مقارنة بالعام الماضي في الفترة من يناير إلى يوليو، مع نحو 800.000 برميل تُمثِّل نصيب العراق من هذه الزيادة.

"وتبدو الدول أعضاء منظمة أوبك أنها تعتزم توغلها لما وراء الأراضي الروسية مع وصول الرحلات البحرية السعودية الأخيرة إلى بولندا. وقد ذكرتْ استخبارات الطاقة أن شركة بي. كي. إن- أورلين (أكبر شركة لتكرير النفط في بولندا) أنها في طور عقد محادثات مع شركة أرامكو لإبرام عقد لتوريد النفط هو الأول من نوعه، ما سيُمثِّل صفعةً للدب الروسي المُسيطر على إمدادات النفط لشرق أوروبا."

وتعتزم أرامكو السعودية تسليم شحنة لشركة تكرير النفط السويدية «بريم»، وهي صفقة البيع الأولى منذ عقدين في واحدة من الأسواق الرئيسية التي تطأها أقدام الدب الروسي.

وذكرتْ الوكالة الدولية للطاقة أن اثنتين من أكبر الدول في منظمة أوبك، وهما السعودية والعراق تعتزمان زيادة إمداداتهما النفطية إلى السوق الأوروبي قبل تخفيف العقوبات المفروضة على إيران.

يُذكر أنه سبق وأن تم توقيع عقوبة حظر إيران من توريد النفط إلى أوروبا، والتي كانت توِّرد نحو 1 مليون برميل يوميًا من النفط غير النقي المحتوي على نسب مرتفعة من الكبريت، والذي كان يذهب معظمه لمعامل التكرير في منطقة دول حوض البحر المتوسط. وفي الوقت الحالي، تبلغ الإمدادات الإيرانية نحو 100.000 برميل يوميًا فقط للسوق التركي، بحسب الوكالة الدولية للطاقة.

هذا وقد زعمتْ إيران أنها ليست بحاجة للحصول على تصريح من منظمة أوبك لزيادة إنتاجها النفطي في السوق العالمي بمجرد رفع العقوبات الدولية المفروضة في ظل الاتفاق النووري الذي تم التوصل إليه بين طهران والقوى الدولية.

وفي تصريح لوزير الطاقة الروسي أوائل الشهر الحالي أن خير سبيل لتناول حالة عدم التوازن في سوق النفط العالمي هو ترك حالة العرض والطلب لتتعادل على المدى الطويل، بحسب ما ورد في تقرير رويترز.

وعند سؤاله عن استهداف السعودية وروسيا كليهما لنفس الأسواق التصديرية، ذكر أليكساندر نوفا وفقًا لتقرير رويترز أن: "الموقف السوقي هو ما يحدد هذه الانفراجات في العرض ... مع الأخذ في الاعتبار العلاقات التقليدية."

بيد أن هذه الزيادة في الإنتاج النفطي تعني أن العالم يفيض بنحو ثلاثة مليارات برميل من النفط، وفقًا لأحدث بيانات الوكالة الدولية للطاقة ما يضع مزيدًا من الضغط على أسعار النفط الخام.

©حرر هذا المقال موقع frontiernations.com حصريًا لموقع zawya.com.



© Zawya 2015